الكتابة الإلكترونية ( في الانترنت ) والكتابة الورقية
المميزات والاختلافات
مما لاشك فيه أن شبكة المعلوماتية ( الانترنت ) قد أصبحت أحد معالم الحياة المعاصرة ..وهي بشكل أساسي مصدر للمعلومات المختلفة ، ومصدر للتواصل السريع بين البشر . وتضم معلوماتها كل شيء يخطر على البال ..ويمكن للمتصفح أو لزائر موقع ما أن يقرأ مايشاء وأن يطبع ما يريده من معلومات ، وأيضاً أن يرسل هذه المعلومات أو يتواصل مع الآخرين عبر الشبكة وعبر البريد الإلكتروني بسرعة فائقة وبزمن قصير . ومن المفهوم أن هناك تنافساً بين الصحف والمجلات والكتب وغيرها من المطبوعات الورقية مع وسائل المعلومات والإعلام الأخرى كالإذاعة والتلفزيون والقنوات الفضائية من ناحية ومع شبكة المعلوماتية من ناحية أخرى ..كونها جميعها تشكل مصادر معلومات ووسائل اتصال وتواصل بين الناس والمؤسسات والجهات القائمة عليها .
وقد تطورت تقنيات الشببكة المعلوماتية مؤخراً بشكل كبير مما أدى إلى جذب أعداد كبيرة من الناس للتعامل معها .. من مختلف الفئات وشرائح المجتمع ولاسيما من فئات الشباب ..ويبدو أن الصعوبات التقنية ومشكلات الكومبيوتر والبرامج والفيروسات وغيرها من الأمور التقنية ، والتي تحتاج إلى الصبر والتعلم والتدريب ، قد ساهمت في عزوف البعض عن شبكة المعلوماتية أو الخوف منها وعدم احتمالها ..
ولاشك أن أية تقنية تحتاج إلى بذل الجهد والوقت والتدريب للتعامل معها .. مما يطرح أهمية التدريب المبكر وأهمية الوعي التقني والمعلوماتي ومحو الأمية التقني في مجتمعاتنا .
ومن خلال تجربتي الشخصية مع الكتابة والنشر في الانترنت ( من خلال موقع حياتنا النفسية وغيره من المواقع ) والكتابة الورقية ( من خلال مؤلفاتي ومقالاتي في الصحف والمجلات العربية ) يمكنني أن أقدم الملاحظات التالية :
1- إن الصعوبات التقنية وتعلم لغة الكومبيوتر والانترنت التي يواجهها المبتدئ في تقنية المعلومات تشابه تعلم القراءة والكتابة أو تعلم لغة أجنبية ( بعضهم يصفها بأنها لغة الجن .. تجاوزاً ) ، وهي أسهل من ذلك عموماً . وعندما تتعلم لغة أجنبية مثلاً لابد لك من تراكم لمعلومات ومفردات وتجارب وأخطاء وإحباطات مع هذه اللغة كي تستطيع أن تفهمها أو تتحدث بها بشكل أفضل .
2- إن الكتابة والنشر في الانترنت شيقة وجذابة جداً .. وهي تتميز بالسرعة الفائقة وبإمكانية تصحيح العبارات والكلمات وتعديلها مباشرة أو خلال دقائق او ساعات ..وهذا لايتوفر أبداً في الكتابة الورقية والمطبوعات ..وإذا توفر يحدث بعد مدة طويلة في الطبعات القادمة المنقحة للكتب ، أو من خلال تنويه واعتذار عن خطأ مطبعي في العدد التالي من الصحيفة أو المجلة الورقية ..
3- تتميز الكتابة الإلكترونية (في الانترنت ) بإمكانية إضافة الألوان والصور والصوت إلى المادة المكتوبة مما يحسن في جاذبيتها للقراءة .. ولايتوفر مثل ذلك في الكتابة الورقية إلا بزيادة كبيرة في سعر المطبوعة وتكلفتها . كما لاتتوفر أمكانية إضافة الصوت أو الصورة المتحركة إلا في تقنيات التلفزة .
4- إن استسهال الكتابة في الانترنت والتعبير عن رأي او موضوع معين وبطريقة سريعة أدى بشكل أو بآخر إلى نقص أهمية كتابات معينة على الانترنت مقارنة مع الكتابات الورقية المطبوعة ..وهذا صحيح جزئياً ولاسيما في حال الكتابات في المنتديات المتنوعة أو المواقع التي لايشرف عليها اختصاصيون أكفاء .
وهناك مواقع موثوقة وتقوم عليها مؤسسات أو جهات رصينة لاتنطبق عليها مثل هذه الأحكام .. ولكن يبقى للكتاب المطبوع عموماً وغيره من المطبوعات ، هيبة خاصة ورصانة تتناسب مع الجهد المبذول في سبيل إصداره وتمويله وإخراجه وكتابته وتنقيحه وتوزيعه .
5- إن العلاقة المباشرة بين القارئ والكتاب المطبوع ( وغيره من المطبوعات ) يمكن أن تشكل علاقة حميمة وحسية مباشرة ، وفيها جاذبية خاصة ومعان كثيرة للقارئ ..ولاسيما أن المواد المطبوعة على الورق قد رافقتنا منذ زمن طويل منذ الطفولة وما يتلوها من مراحل ..وهذه العلاقة وجوانبها العاطفية والمعنوية المتعددة ربما تساهم في بقاء الكتاب المطبوع إلى زمن طويل قادم ..وأما قراءة الكتابات على الانترنت فهي تعتمد على حاسة النظر بشكل أساسي ، وعلى السمع في حال كانت الصفحة مرتبطة بموسيقا أو كلام ( محاضرة مثلاً ) . ولايمكنك أن تلمس الصفحة على الانترنت أو أن تكتب حاشية عليها أو أن تخط خطاً تحت بعض الكلمات ..كما لايمكنك أن تحملها إلى فراشك وتتابع قراءتها ..وهي تحتاج دائماً إلى جهاز كومبيوتر وكهرباء ( أو بطارية ) وغير ذلك من مستلزمات تقنية. والتقنية عموماً باردة ، معدنية ، تفتقد في أحيان كثيرة للمشاعر والحس الفني والذاتي ..وهناك من يعشقها ويدمن على التعامل معها وعليها .. وهناك من يكرهها ويكسرها .. ولاشك ان التعود والخبرة والممارسة والفوائد التي نجنيها من التقنيات .. كل ذلك يلعب دوراً كبيراً في تعديل مشاعرنا ونظرتنا السلبية للتقنية والإقبال عليها بهمة أكبر وبمتعة أكثر .
6- إن الكتابة والنشر على الانترنت أرخص ثمناً وتكلفة من الناحية المادية ..على الرغم من تكاليف جهاز الكومبيوتر وصيانته وبرامجه وأسعار الاتصال بالشبكة وتكلفة استضافة الموقع وثمن اسمه..مقارنة مع التكلفة الباهظة لإصدار مطبوعة ورقية(كتاب أو مجلة أو غير ذلك ) .
7- إن الكتابة والنشر فيى الانترنت تتميز بالمكافأة الفورية ..حيث تستطيع أن تقرأ ماكتبته فوراً منشوراً في الفضاء العالمي من خلال شاشة الكومبيوتر بالطبع .كما يمكن للمادة المنشورة أن تنشر في عشرات المواقع الأخرى من خلال تداولها وبسرعة كبيرة ، أو من خلال إرسالها عبر البريد الإلكتروني والقوائم والمجموعات البريدية حيث يمكن إرسال موضوع معين لعشرات الآلاف أو لملايين العناوين البريدية خلال دقائق .. وهذا يحقق الانتشار الواسع للكاتب ، ويجعله عابراً للحدود المختلفة ، ويزيد من عدد القراء بنسبة خيالية ..وكل ذلك يمثل مكافأة ممتازة للكاتب ويرضي طموحه وربما يشجعه ويحفزه على الكتابة أيضاً .
بينما يتحدد النشر الورقي بمدى توزيع المادة المطبوعة ( بما فيها الرسائل البريدية ) وانتشارها وبالتالي بعدد قرائها المحدودين عددياً وجغرافياً ..ويبدو أن مشكلات انتشار وتوزيع ونقل المادة المطبوعة وتفوق النشر الإلكتروني الحاسم في ذلك سيبقى نقطة محورية لصالح النشر الإلكتروني ولفترة زمنية طويلة ..
8- كلمة أخيرة .. الكلمةالمسموعة تبقى ..والكتاب يبقى ..وقد بقيت الكلمة المكتوبة آلاف السنين .. ويبدو أنها ستبقى ..وقد حفظت لنا الحجارة كتابات قديمة جداً .. ويمكن للأقراص المدمجة الحديثة ( الإلكترونية ) أن تحفظ لنا كتابات وكلمات عظيمة .. وكذلك الورق الذي يبدو أنه قادر على حفظ الكتابة ..سواء كانت كتابة في الانترنت حيث يمكن طباعتها .. أو من خلال الكتب والصحف والمجلات وغيرها من المطبوعات ..ولابد من التعاون دائماً بين " الكتابات الفضائية " و " الكتابات الورقية " ولايجوز الطلاق بينهما ، ويمكن أن يجري التبادل بينهما بشكل إيجابي ، بما يخدم مجتمعاتنا بشكل أفضل في ميدان العلوم النفسية وغيره من الميادين .
الخوف من الفرح
هناك عدد كبير من الأشخاص يخافون من الفرح والبهجة والضحك .. ويتردد في الأحاديث الشعبية أنه بعد أن يضحك الجميع لسبب معين يقول أحدهم " الله يعطينا خير هذا الضحك " أو بما معناه .. وكأن الضحك سوف يسبب شراً ويأتي الدعاء لدرء ذلك الشر أو تعويذة ضده .
وبعض الضحك الشديد يوصف بأنه : " سوف أموت من الضحك " وكأن الضحك مقترن بالموت أو قريب منه . ويقول المثل العربي القديم " كثرة الضحك تذهب المهابة " أي تفقد الرجل هيبته ومنزلته ووقاره .. وكأن الوقار والهيبة تستلزم التكشير وتقطيب الحاجبين غالباً . وقد ورد عن أحد المتصوفة أنه لم يبتسم أو يضحك أبداً في حياته ، وعند موته جاؤوا إليه يغسلونه فوجدوه مبتسماً مشرق الوجه ، وفي ذلك عظة أنه فرح بلقاء ربه ولو أنه لم يبتسم طوال حياته من شدة ورعه .
ويحدث في أفراح الأعراس في بعض البيئات ، أن يتحول " العرس إلى مأتم " بسبب إطلاق الرصاص في الهواء احتفالاً وفرحاً .. حيث تصيب رصاصة العريس أو العروس أو أحد الأقرباء أو الحضور ، أو أكثر من واحد . كما يحدث أيضاً في تلك الأعراس أن يقع خلاف وشجار بين العريس والعروس أو أهلهما .. ويظهر الخلاف إلى العلن ويتحول إلى شجار وعراك ، أو أن يطلّق العريس عروسه أمام الجميع مما يلغي الحفل والفرح وينقلب الفرح إلى غم وحزن وأسى .
وكل ما سبق فيه مبالغة واستثناء ولا يشكل القاعدة العامة المرتبطة بالفرح والسرور والضحك .. ويمكن لمريض القلب أو من لديه استعداد مرضي في القلب ، أن يصاب بنوبة قلبية في حالة الضحك الشديد أو بعد سماع نبأ مفرح جداً .. ويفسر ذلك طبياً على أنه صدمة انفعالية شديدة يمكن أن تكون مؤذية . والضحك عموماً شعور لذيذ وممتع ومنعش ويبعث على السرور والرضا ، ولا يسبب نوبة قلبية أو فقداناً للوعي إلا في حالات معدودة استثنائية .
وبالطبع فإن الاعتدال والتوازن مطلوبان في كل الأمور ومنها الأمور الانفعالية والمزاجية .. ويتعلم الإنسان أن يتعامل مع انفعالاته المتنوعة وأن يعبر عنها بشكل أفضل من الأشخاص الأصغر سناً أو الأطفال .. الذين لا يستطيعون التحكم بانفعالاتهم أو لا يعبرون عنها بشكل متوازن وناضج وصحيح .
ومما لاشك فيه أن في تاريخنا وتراثنا مآس كثيرة وهزائم وحروب وصراعات مؤسفة .. وفيه بكاء على الأطلال وعلى الأمجاد الغابرة .. وفي عصرنا الحالي تخلف وفقر ومرض وتبعية واستعمار وحروب وعدم استقرار ومشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية متنوعة . وكل ذلك يمكن أن يشكل استعداداً للاكتئاب واليأس والنظرات السوداوية في داخلنا .. كما يمكن له أن يؤسس لثقافة سلبية وسلوكيات مضادة للحياة وأفراحها .
والاكتئاب مرض واضطراب نفسي طبي واسع الانتشار في جميع المجتمعات .. وله أسبابه الوراثية والكيميائية والتكوينية والتربوية والحياتية . ويقدر انتشار نوبات الاكتئاب الأساسي ( Major Depression ) بعشرة بالمئة من السكان وفقاً للإحصائيات الغربية . وهناك أنواع أخرى من الاكتئاب مثل الاكتئاب الخفيف المزمن أو ما يسمى عسر المزاج ( Dysthymia ) ، والاكتئاب المقنع والذي يتظاهر بعدد من الشكاوى والأعراض الجسمية تشبه الأمراض العضوية ولا يتبين أي سبب عضوي لها ، و أيضاً تنتشر في بلادنا اضطرابات تالية للصدمات المتنوعة الشديدة ذات أعراض اكتئابية وقلق ومخاوف .
وبشكل عملي .. فإن كثيراً ممن يعانون من الاكتئاب لا يعالجون بشكل صحيح ومناسب .. وبعضهم لا يعرف أنه مصاب بالاكتئاب .. على الرغم من توفر الخدمات النفسية . مما يطرح أهمية الوعي الصحي النفسي وتعميقه ، وأهمية الاهتمام بالخدمات النفسية وتطويرها وتحسين أدائها وتأثيرها في المجتمع . وبالتالي ضرورة علاج حالات الاكتئاب المتنوعة بالشكل الصحيح والمناسب .
ولابد من حل المشكلات أو السير في طرق حلها ومواجهتها دون الهروب منها .. ولابد من الواقعية ومن النظرة المتوازنة للحياة بأفراحها وأحزانها .. ولابد من تعديل الأفكار السلبية والسوداوية المبالغ فيها .. ولابد من ثقافة الحياة وثقافة الفرح .. وهناك أفراح كبيرة مرتبطة بتحقيق أحلام كبيرة ، وهناك أفراح صغيرة مرتبطة بتحقيق أمنيات وأهداف اعتيادية قريبة المنال ، ولا يمكننا أن نؤجل أفراحنا للمستقبل البعيد حيث يمكن أن تتحقق أحلامنا الكبيرة .. ولابد لنا من البحث عن الفرح والضحك والحياة باستمرار .. دون إفراط أو تفريط .
وجهة نظر حول دعاية " أقم صلاتك قبل مماتك "
بسم الله الرحمن الرحيم
إن ما يدفعنا إلى الكتابة في هذا الموضوع هو حرصنا على أن تبقى الأوساط الثقافية في كل مجتمع –كل ضمن اختصاصه- على تفاعل مستمر مع كل ما يظهر فيه من جديد وتمعّنه وتمحيصه بهدف الاستفادة القصوى منه أو رفضه إن كان هنالك ما يدعو لذلك , ولكن حين يتعلق الأمر بموضوع ديني يصبح الأمر واجباً والتدخل لإزالة أي التباس قد يعلق على موضوع ديني فرضاً , فمن سيتكلم يا ترى إن صمتنا؟
والظاهرة التي استرعت انتباهنا ونود التدخل فيها ومناقشتها هي" الظهور على بعض القنوات الفضائية العربية ذات الانتشار الواسع ,لمشاهد دعائية تأتي في أثناء أوقات الدعاية التسويقية التجارية لهذه القنوات ,حيث نرى مشهداً مأساوياً ينتهي بالموت مع صور مفصلة للقبر والدفن ليأتي بعدها إعلان يختم الدعاية بقول" أقم صلاتك قبل مماتك ".
ونحن بمحاولتنا تمحيص هذا الأمر من كل جوانبه لا ندّعي بأن هذه الظاهرة الجديدة خاطئة أو صحيحة فهي تحتمل الوجهين.. ولكن علينا أن نتمحّص كلا الوجهين بدقة قبل أن نشكّل موقفاً منها , حيث أن وجهات نظرنا كلها نسبية ونحن مؤمنون قناعةً بأن أثبت القوانين في هذا الكون هو "عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم " . وأن من الأشياء لمفيد رغم أن ظاهره غير محبّب للنفوس .,ولكن حداثة هذه الفكرة وحساسية الموضوع الديني إضافة للظرف العالمي العام, تعطينا الحق بأن نحاول تقليب أمرٍ بهذه الحساسية على كلّ أوجهه,و سنكون حريصين على عدم التطرف والتعصب في مناقشتنا متجنبين اللجوء إلى ما اعتدناه من إلصاق التهم والأحكام على الآخرين وافتراض مؤامرة شيطانية يهودية ,لابل إننا نفترض أو على الأقل نأمل حسن النية المسبق لدى من قام بعمل هذه الدعاية ..
وبطبيعة الحال فإننا لن نجادل المقصد الظاهري للدعاية والذي يبدو ببساطة تذكيراً بالصلاة ووعظاً للناس بأن الموت قريب وأنه ينبغي تدارك الوقت قبل فوات الأوان , فكلنا مقتنعون بأن الموت أكبر واعظ للإنسان ,وهذه البديهية ليست استنباطاً منا فقد تعددت الآيات القرآنية والأحاديث التي تعظ الناس بالموت , ولعل كلمة عمر بن الخطاب "كفى بالموت واعظاً ياعمر " تغنينا عن المزيد من الكلام في هذا المجال , و سنحاول قدر الإمكان تجاوز هذا المقصد الظاهري البديهي والتركيز على الملحقات والحواشي وقراءة مابين السطور تاركين المجال مفتوحاً لمن يود أن يتناول الأبعاد الإيجابية لمثل هذا الحدث الجديد علينا ..
في البداية إننا نرى في هذه الدعاية كسراً لقدسية أهم أركان الدين ودعامته الأساسية وهي الصلاة وبخساً لقدرها بإنزالها لمكانٍ تجاور فيه منتجاتٍ سلعيةً تسويقيةً أخرى , فأنت ترى قبلها على سبيل المثال دعاية لببسي كولا وأخرى لحفائض الأطفال ,وبعدها وضمن نفس السياق تأتي دعاية لأحد العطور أو زيت محركات , وكأنك بداخل سوبر ماركت تُعرَضُ فيه البضائع على رفوفٍ تجد الصلاة (معاذ الله) في إحداها , وإننا نعتقد أن هذا التعويم لمفهوم سامي ذو قدسية مهما كانت دوافعه ومبرراته سيكون من نتائجه التقليل من قيمة وقدسية هذا المفهوم خصوصاً وأن الدين الإسلامي كان حريصا كل الحرص على مثل هذه الاعتبارات على خلاف باقي الأديان ، فلا يمكن لك على سبيل المثال أن ترمي بأوراقٍ مكتوب عليها آيات قرآنية في سلة مهملات مهما كانت هذه السلة نظيفةً , ولايجوز لك أن تلمس القرآن إن لم تكن طاهراً , فالأشياء والمفاهيم تكمنُ قيمُها بداخلها والتعامل معها يلزم أن يأخذ بالحسبان قيمها الرمزية فلو أتانا مثلاً من يدّعي النيّة الطيبة وعرض أن نُعلّقَ أو نكتب آياتٍ قرآنيةً في الحمّامات العامة عسى أن يستفيد منها بعض الناس في أوقات دخولهم لها لقلنا له جميعنا (لا) حرصاً على قدسية الكتاب رغم ماقد يبدو بالفكرة من جماليّة ظاهرة وحسن نِيّة . ولكن قد يعترض معترضٌ بأن الدعايات التلفزيونية ليست بمقام الحمّامات العامة..... ونحن نقول له: نعم هذا ما نقتنع به, ولكن الأمر يتعلق أيضاً بالصلاة عماد الدين وليست بأمرٍ منفعيٍّ يحتمل التشويه ولو بنعومة , كما أنني أسأل هذا المعترض أن يجيبني بصراحةٍ عمّا يرد في خواطر الناس حين يرون شخصيةً مشهورةً سياسيةً كانت أم فنّيةً تقوم بعمل إعلاناتٍ دعائيةً ؟ ألا يقال بأنه قد" قلّل من قيمته" وأن الحاجة المادية لابد أن تكون هي التي دعته للقبول بذلك ؟ فهل نقبل للصلاة أن تكون بطلة فيلم دعائي يترفع المشاهير من الفنانين عن أن يكونوا أبطالاً له ؟! فكّروا بالأمر قليلاً يا إخواني!!وعلى مستوى أقل قدسية ولكنه ضمن نفس السياق نجد أن الشركات الكبرى التي تقدم بضائع عالية النفاسة تترفع أن تعرض منتجاتها وسط أسواق المساحات الكبرى (السوبر ماركت) رغم ماقد يحقق لها ذلك من أرباح ,وذلك حفاظاً على القيمة الرمزية للإسم وتحضرني هنا رواية سمعتها منذ زمن ولا أدري إن كانت نادرةً أم واقعةً حقيقيةً وهي أن أحد الأثرياءِ في بلدٍ خليجيٍ كانت لديه مسألةٌ مع شركة السيارات الفخمة رولز رويس , وحين لم يُحَلّ هذا الخلاف على شكلٍ يرضي هذا الثري , أمر أحد سائقيه بالنزول بالسيارة إلى الشارع والعمل عليها كسيارة أجرة , إلاّ أن الشركة جنّ جنونها وتدخلت بسرعة لتدارك الموقف ولو بخسارةٍ حرصاً على أن لا يتم تعويم اسم هذا المنتج , أفليس حريّاً بنا أن نتعامل مع مفهوم الصلاة بهذه الدقة والنعومة وهي أقدس من كل ما يمكن تصوّره من سلعٍ ؟؟أو ألم يكن بالممكن أن تُقَدّم هذه الدعوة للصلاة في مساحةٍ زمنيةٍ مستقلةٍ بعيدةً عن هذا الجو الإعلامي الرخيص حتى ولو على نفس القناة الإعلامية ؟؟
النقطة الثانية التي نراها تلفت الانتباه أيضاً , تتعلق بالخطأ في الأسلوب الدعويّ, فمن أهم قوانين الدعوة أن تتوجّه إلى الناس لتدعوهم في الأوقات التي تكون فيها قابليتهم للاستقبال عاليةً , وإلا فإن دعوتك لن تلقى القبول المناسب ,لا بل على العكس قد تعطي آثاراً عكسيةً بالارتداد عما تدعوهم إليه ! فهل يذهب أصحاب الدعوة في بلاد الكفار إلى الحانات أو النوادي الليلية مثلاً ليقوموا بنشر دعوتهم ؟ مطلقاً ..لأن هذا سوف ينفّر الناس مما تدعو إليه , ودعايتنا التي نحن بصددها تفاجئ الناس في ساعات المساء حين انتهوا من كل أعمالهم وحتى من كل صلواتهم وجلسوا باسترخاءٍ أمام التلفاز, فلن يكونوا بأعلى فترات استقبالٍ لهم, وسيكون أثر هذه الدعاية مثل أثر التنبيهات التي نراها على مغلفات وعلب السكائر والتي تدعوك للحذر من أن التدخين يضرّ بصحتك ,وذلك بعد أن تكون قد أخرجت سيكارتك من علبتها وتحضّرت لإشعالها فلن تكون بهذه اللحظة مصغياً لهذه التنبيهات , وستنقلب على هذه الإرشادات بشكلٍ دفاعيٍّ بتحويلها إلى وسيلة سخريةٍ وتندّرٍ وتفقد قيمتها كوسيلة وعظٍ وإرشاد,خصوصاً إن علمنا أن هذه الدعاية مقدمةٌ لجمهورٍ عريضٍ يتباين تبايناً شاسعاً في درجة احترامه للمقدسات .
النقطة الثالثة التي أثارت تساؤلاتنا تخص التقنية الفنية للدعاية وطريقة إخراجها ودراسة الأثر النفسي اللاواعي الذي يمكن أن تتركه خلفها , فنحن نعلم أن الدعاية علمٌ متكاملٌ يعتمد بشكل أساسي على ما توصّلت إليه دراسات علم النفس والطرق الحديثة للتخاطب, بأسلوبٍ يترك أثره مباشرة في اللاوعي ويتجاوز الخطاب الواعي التقليدي والحواجز الدفاعية والأطر والأنماط والقوالب الجاهزة للدماغ الأيسر , وتعتمد على ربط المعاني ببعضها على شكل صور تتلاصق بجانب بعضها البعض لتترك علاقة شرطية بين هذه الصور , وإننا نجد أن الدعاية التي نتكلم عنها أصرت إصراراً غريباً على ربط مفهومي الصلاة والموت ببعضهما , فنحن إذا تجاوزنا المقصد الظاهري المباشر لهذه الدعاية وهو الوعظ باستعمال فكرة الموت , سنجد أن ماسيتبقى في ذهن المتلقي المشاهد بعد انتهاء رؤيته للدعاية وانشغال ذهنه بعد ذلك بصورٍ ذات مضمونٍ مختلفٍ تقدمها له نفس القناة التلفزيونية, تكون المعادلة الأولى فيها هي موت = صلاة إلا أن هذه المعادلة تحتمل أيضاً عكسها وهو النقيض تماماً أي صلاة = موت , وإننا لنتساءل ألم يجد صانعو هذه الدعاية من مفهومٍ حيويٍّ آخر يرمز للسعادة والحياة لإضافته إلى الصلاة, وكلنا يعلم أن المفهوم الديني للصلاة هو مفهوم راحة (أرِحنا بها يا بلال ) وكذلك مفهوم محبةٍ وتواصلٍ مع الآخرين , أي مفهوم حياة وليس فقط مفهوم موت . وهذه النقطة بالذات كانت موضع دراساتٍ وجدلٍ كثير في أوربا بعد انتشار مرض الإيدز حيث لزمت التوعية إلى ضرورة استعمال الموانع البلاستيكية أثناء الأعمال الجنسية الإباحية ( وقانا الله منها وإياكم) حيث أن الدعايات التي اعتمدت فقط على إخافة الناس من مرض الإيدز أثبتت عدم فاعليتها , وسرعان ما تمّ استبدالها بدعاياتٍ أخرى تربط هذه الموانع باللذة والسرور والحب , وقد أثبتت هذه الأخيرة أنها أسرع في إيصال غرضها من الدعايات المباشرة المعتمدة فقط على لغة التخويف والإنذار , وهذه القاعدة معروفة تماماً لدى منتجي الدعايات الإعلانية ومنتشرة بكثرة حتى في بلادنا حيث نجد أن بعض الدعايات غريبةَ المحتوى وتتكلم عن مواضيعَ تبدو للوهلة الأولى بعيدةً عن المضمون المباشر للمادة التي تود تسويقها ولكن دراستها تحليلياً تبين أنها تعطي رسالة خفية تفي بالغرض تماماً بوصولها للاّوعي .
النقطة الرابعة التي نود ذكرها والتركيز عليها تتعلق بالمصداقية ,فنحن نعلم أن من يدعو إلى شيءٍ عليه اتباعه والالتزام به وإلاّ نفّر الآخرين منه وأصبح كالطبيب الذي ينصح مرضاه بالابتعاد عن التدخين وسيكارته في يديه , فلو تغاضينا عن النقاط التي ذكرناها سابقاً , كان من الممكن لنا أن نقبل مثل هذه الدعاية من قنوات عرف عنها الرصانة والجد والحرص على نشر تعاليم الدين وأخلاقياته , أما أن تتقدم قنوات لا تتورّع عن عرضِِِ كل مفاسد الحياة بتقديم نصائح ومواعظ دينية لنا فإن هذا سيصبح مثل المطرب حسن الصوت الذي يطلب الأذان في المسجد لأن صوته جميل !! ويا حبذا لو كانت القناة موضع التساؤل قد عرضت الجهة التي كانت وراء هذه الدعاية حكومية كانت أم خاصة لكنا وجدنا تبريراتٍ لمثل هذه الدعاية
وأخيراً.. يبدو أن هذه القنوات قد استعملت هذا البعد الديني لتلميع صورتها وكسب زبائن جدد لها باستمرار .. وهذا من حقهم .. ولكن المطلوب الدقة والحذر في استعمال أساليب التسويق كي تكون أكثر نجاحاً .
ولاحول ولاقوة إلا بالله
حول الانترنت والآثار النفسية الاجتماعية
السلبية والايجابية
تعتبر شبكة الانترنت ( شبكة المعلوماتية ) من أحدث التقنيات في الوقت الحالي .. وهي ترتبط بتقنيات الاتصال والمعلومات والكومبيوتر التي تطورت تطوراً كبيراً منذ أواخر القرن الماضي ، ولا تزال تتطور بسرعة واستمرار .
وتدل بعض الاحصائيات أن عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي حوالي 7و0 % بينما في الولايات المتحدة وكندا تصل النسبة إلى 40% .وفي دراسة عام 2000 بينت أن حوالي 30% من المستخدمين في العالم العربي تستخدم الانترنت للمحادثة عن بعد( chat) .
ويتردد كثيراً في مختلف الأوساط أن الانترنت هو تسلية وإزعاجات وبحث عن الممنوعات ..وهذا ليس صحيحاً على إطلاقه ..وهناك استخدامات جادة ومفيدة جداً في مختلف الميادين الحياتية والثقافية والعلمية والاجتماعية وغيرها .
ويلعب التوجيه هنا دوراً هاماً في الاستفادة الحقيقية من هذا التطور التقني المفيد .
والإدمان على الانترنت بمعنى قضاء أوقاتاً طويلة مع الشبكة وإهمال القيام بالمسؤوليات التي يجب القيام بها أمر واقع .. وهناك تفسيرات عديدة لذلك.. ومنها : المتعة الشخصية التي تقدمها هذه التقنية فهي تقنية جذابة تتطلب الوقت .. ويمكن للفرد أن يشعر بتحقيقه لنفسه من خلالها . كما أن الهروب من مشكلات عملية واجتماعية يعتبر عاملاً هاماً .. فالإنسان مجبول على الهروب من الألم إلى المتعة واللذة بأشكالها المتنوعة ..مما يطرح ضرورة حل المشكلات ومواجهتها بدل الهروب منها ..كما أن المقصر ربما يهرب إلى الانترنت تغطية لتقصيره وإهماله في واجباته المتنوعة بحجة أنه يقوم بعمل آخر مفيد . ومن العوامل العامة أيضاً البحث عن تحقيق الشخصية وإثباتها .. وتوفر الانترنت مجالاً مناسباً من حيث إبداء الرأي والحوار إضافة للتحكم بالتقنيات والبراعة فيها بسهولة نسبية مما يشد المستخدم ويشعره بقيمته وأهميته .. ولاسيما في حال جهل من حوله بتلك الأمور ..وهنا نجد مثلاً أن المراهق يتعلق بالانترنت بدافع التنافس مع أخيه الكبر أو أبيه حيث يمكن له أن يسجل انتصارات متعددة .وفي بعض الحالات نجد هروب الأزواج أو الزوجات إلى الانترنت بعيداً عن مشكلات الزواج اليومية والاحباطات .. مما يزيد في المشكلات الأسرية .. ويستدعي كل ذلك ضرورة مراجعة النفس والسير في حل المشكلات بدلاً عن الهروب منها .
ولابد من التأكيد أن التعامل مع أية تقنية يتطلب عدداً من الأمور والضوابط .. وهناك سوء الاستعمال لأية تقنية كما أن هناك حسن الاستعمال .. ولابد من تعلم أساسيات تقنيات الكومبيوتر والانترنت بما يخدم تطوير المهارات العامة والفردية وبما يتناسب مع طبيعة العصر وتطوره . ومن المتوقع ازدياد المتعاملين مع شبكة الانترنت في مجتمعاتنا وتحسن استعمال هذه التقنية بما يفيد وينفع .. ولابد من تشجيع الاستعمال الحسن وتطويره والتأكيد عليه من خلال شرح فوائد الانترنت ومجالاتها وآفاقها وبشكل عملي للجميع .. بدل التركيز على الجوانب السلبية وتضخيمها ..
لحظات حاسمة في مواجهة قلق الامتحان ..
نمزح صغاراً، او كنا نخفي قلقنا، عندما نردد: "يوم الامتحان يكرم المرء او يهان"
ويمضي معنا هذا القلق عبر حياتنا التعليمية , فما أصعب لحظات الامتحان على النفس.
أدركت ان مخاوف المرء من امتحان يتهيأ لإجتيازه لا علاقة له بالعمر، فليس الصغار وحدهم من يخافون من الاختبارات والامتحانات والاسئلة الصعبة او المحيرة. ولكننا ايضا الكبار، رغم الخبرة.. رغم سنين العمر..نخافها.. انا خائفة.
اقول ذلك، وانا اهم باجتياز مناقشة رسالة الدكتوراة في يوم الاثنين القادم التاسع والعشرون من شهر جولاي، و التي تقدمت بها الى جامعة ابرتي داندي باسكتلندا. استغرق عملي في الرسالة اكثر من سنتين. ورغم ذلك، رغم العديد من الاختبارات التي اجتزتها، رغم احساسي انني مستعدة، متهيأة للمناقشة، ومتهيأة لهذا الاختبار الفريد من نوعه في حياتي، ألا اني اشعر بقلق. قلق يصعب وصفه، لعله القلق الصحي.
حاولت التهدئةمن روعي، الشد من ازر نفسي، استخدمت كل ما تعلمته في علم النفس وكل ما اعلمه وادرب عليه غيري من وسائل الاسترخاء والتأمل، لكن جحافل القلق ومخاوف اجتياز الامتحان، اصدقكم، ما زالت تاتي.
ولكنني، على بوادر القلق التي تنتابني، واثقة ان ما اعددته خلال السنوات التي عملت بها في الدراسات العليا، ومن متابعة وارشادات البروفسور جون مكلاود احد افضل الاساتذة في العالم في الارشاد النفسي و البحوث و الدراسات النفسيه في بريطانيا، لي و مناقشته في كل خطوة اخطوها وكل فصل اكتبه في الرسالة، سيجعلني اجتاز امتحان المناقشة انشاءالله بكل ثقة و جدارة. واصارحكم، عيني على افضل تقدير.
اتمنى ان اكون ذلك المرء الذي يكرم يوم الاثنين في ادق اختبار واهم امتحان سوف اجتازه، و احصل بمقتضاه على شهادة الدكتوراة، من احدى افضل الجامعات البريطانية في علم النفس وبإشراف احد افضل الاساتذة في التخصص.
لذلك انا خائفه، قلقة، لكن كل ذلك هو نوع من احاسيس القلق و الخوف الصحي الواثق بإذن الله
الصيام والصحة النفسية
رمضان .. شهر الإيمان والصحة النفسية .
شهر الصيام .. فرصة للمسلمين لوقفة مع النفس والعودة إلى ينابيع الدين .
آثار نفسية إيجابية للصيام علي الأصحاء والمرضى أيضاً .
تقوية الإرادة سلاح فعال في مواجهة الاكتئاب والقلق والوساوس المرضية وغيرها ..
الإقلاع عن التدخين والإدمان .. الفرصة مواتية في شهر الصيام.
يأتي شهر رمضان هذا العام على الأمة الإسلامية في ظروف وأحوال صعبة تختلف عن أي عام مضى .. فالصراعات والحروب تشتعل وتمتدد لتشمل أماكن كثيرة في أنحاء العالم الإسلامي ، والمسلمون يعيشون عصراَ من القهر والضعف والهوان ..ورغم ذلك فانه مع قدوم شهر رمضان المبارك من كل عام يعيش العالم الإسلامي في مناخ روحي متميز يختلف عن بقية أوقات السنة .. ولعل الصيام في هذا الشهر هو أحد الأركان الهامة إلى تمتد آثارها لتشمل كل نواحي حياة المسلمين في هذا الشهر ..
وللصيام آثار إيجابية علي الصحة العامة للجسد وعلي الصحة النفسية أيضاً .. وفي هذا الموضوع إجابة علي التساؤلات حول الجوانب النفسية لصوم رمضان كما نلاحظها ونرصدها من وجهة النظر النفسية .. كما أننا هنا نعرض أهمية التقرب إلى الله بالصيام والعبادات ودور الإيمان بالله في الوقاية والعلاج من الأمراض النفسية والمشكلات الأخرى ، والوصول إلى حالة من الطمأنينة والاستقرار والاتزان النفسي .
رمضان .. وأحوال المسلمين :
يأتي رمضان هذا العام في ظروف صعبة يعانى منها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ، فالبقع الساخنة للحروب والصراعات على امتداد كوكب الأرض تكاد تشمل دائماً مجتمعات المسلمين سواء في الدول العربية أو الإسلامية ، أو بالنسبة للأقليات المسلمة التي تعيش في بلاد الغرب حيث فرض الواقع الجديد للعالم أن يكون المسلمون في موضع المتهم بالتخلف والإرهاب ، وأن يتعرضوا لألوان العداء وهم في أشد حالاتهم ضعفاً منذ قرون طويلة رغم أنهم يتفوقون علي غيرهم في العدد والموارد .. لكن السبب في ما آل إليه حالهم أنهم غفلوا عن تعاليم الإسلام ، ولم يعودوا كما كانوا من قبل أمة متماسكة علي قلب رجل واحد .
وشهر رمضان قد يكون مناسبة جيدة ليعود فيها المسلمون إلى أنفسهم ويتدبروا أمورهم ويدرسوا ما وصل إليه حالهم من ضعف وهوان حتى أصبحوا هدفاً للأعداء ، وفي رمضان علينا كمسلمين فرادي وجماعات أن نعود إلي ينابيع الدين الإسلامي ، ونستلهم من تعاليمه القيم التي غفلنا عنها مثل الصبر والتمسك بحبل الله والتعاون ليتم تبديل هذا النموذج الراهن للمسلم بنموذج المؤمن القوي الذي ورد في الحديث الشريف ، والذي هو أفضل وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف
هل للصيام آثار نفسية إيجابية !؟
لعل أهم ما يميز شهر رمضان عن بقية العام هو الصيام الذي يعني الامتناع عن تناول الطعام والشراب وممارسة الشهوات خلال النهار ، بالإضافة إلى الجو الروحاني الخاص الذي يميز هذا الشهر من المشاركة العامة بين الأفراد في تنظيم أوقاتهم خلال اليوم بين العبادة والعمل في فترات محددة وتخصيص أوقات موحدة يجتمعون فيها للإفطار ، وهذه المشاركة في حد ذاتها لها أثر إيجابي من الناحية النفسية علي المرضي النفسيين الذين يعانون من العزلة ويشعرون أن إصابتهم بالاضطراب النفسي قد وضعت حاجزاً بينهم وبين المحيطين بهم في الأسرة والمجتمع .. وشهر رمضان بما يتضمنه من نظام شامل يلقي بظلاله علي الجميع حين يصومون خلال النهار ، وتتميز سلوكياتهم عموماً بالالتزام بالعبادات ، ومحاولات التقرب إلى الله ، وتعم مظاهر التراحم بين الناس مما يبعث علي الهدوء النفسي والخروج من دائرة الهموم النفسية المعتادة التي تمثل معاناة للمرضي النفسيين فيسهم هذا التغيير الإيجابي في حدوث تحسن في حياتهم النفسية .
وللصوم آثار إيجابية في تقوية الإرادة التي تعتبر نقطة ضعف في كل مرضي النفس،كما إن الصوم هو تقرب إلى الله يمنح أملاً في الثواب ويساعد علي التخلص من المشاعر السلبية المصاحبة للمرض النفسي ، كما أن الصبر الذي يتطلبه الامتناع عن تناول الطعام والشراب والممارسات الأخرى خلال النهار يسهم في مضاعفة قدرة المريض على الاحتمال مما يقوى مواجهته ومقاومته للأعراض المرضية ... ولهذه الأسباب فإننا في ممارسة الطب النفسي ننصح جميع المرضى بالصيام في رمضان ونلاحظ أن ذلك يؤدى إلى تحسن حالتهم النفسية .
صيام المرضى النفسيين :
الاكتئاب النفسي هو مرض العصر الحالي ، وتبلغ نسبة الإصابة به 7% من سكان العالم حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية ، وأهم أعراض الاكتئاب الشعور باليأس والعزلة وتراجع الإرادة والشعور بالذنب والتفكير في الانتحار ، والصوم بما يمنحه للصائم من أتمل في ثواب الله يجدد الرجاء لديه في الخروج من دائرة اليأس ، كما أن المشاركة مع الآخرين في الصيام والعبادات والأعمال الصالحة خلال رمضان يتضمن نهاية العزلة التي يفرضها الاكتئاب علي المريض ، وممارسة العبادات مثل الانتظام في ذكر الله وانتظار الصلاة بعد الصلاة في هذا الشهر تتضمن التوبة وتقاوم مشاعر الآثم وتبعد الأذهان عن التفكير في إيذاء النفس بعد أن يشعر الشخص بقبول النفس والتفاؤل والأمل في مواجهة أعراض الاكتئاب .
أما القلق فإنه سمة من سمات عصرنا الحالي ، وتقدر حالات القلق المرضي بنسبة 30-40% في بعض المجتمعات ، والقلق ينشأ من الانشغال بهموم الحياة وتوقع الأسوأ والخوف على المال والأبناء والصحة ، وشعور الاطمئنان المصاحب لصيام رمضان ، وذكر الله بصورة متزايدة خلال رمضان فيه أيضاً راحة نفسية وطمأنينة تسهم في التخلص من مشاعر القلق والتوتر .
والوساوس القهرية يعاني منها عدد كبير من الناس علي عكس الانطباع بأنها حالات فردية نادرة ، فالنسبة التي تقدرها الإحصائيات لحالات الوسواس القهري تصل إلى 3% مما يعني ملايين الحالات في المجتمع ، وتكون الوساوس في صورة تكرار بعض الأفعال بدافع الشك المرضي مثل وسواس النظافة الذي يتضمن تكرار الاغتسال للتخلص من وهم القذارة والتلوث ، وهناك الأفكار الوسواسية حول أمور دينية أو جنسية أو أفكار سخيفة تتسلط علي المرضي ولا يكون بوسعهم التخلص منها ، ويسهم الصوم في تقوية إرادة هؤلاء المرضى ، واستبدال اهتمامهم بهذه الأوهام ليحل محلها الانشغال بالعبادات وممارسة طقوس الصيام والصلوات والذكر مما يعطي دفعة داخلية تساعد المريض علي التغلب علي تسلط الوساوس المرضية .
الصيام وقوة الإرادة :
من وجهة نظر الطب النفسي فإننا ننظر إلي الصوم وقدوم شهر رمضان علي انه فرصة جيدة وموسم هام يساعدنا في مواجهة الكثير من المشكلات النفسية ، والمثال على ذلك حالة المدخنين الذين اعتادوا علي استهلاك السجائر بانتظام خلال الأيام العادية بمعدل زمني لا يزيد عن دقائق معدودة بين إشعال سيجارة بعد سيجارة حتي يتم الاحتفاظ بمستوى معين من مادة النيكوتين التي تم تصنيفها ضمن مواد الإدمان .. إن قدوم شهر الصيام والاضطرار إلى الامتناع عن التدخين علي مدى ساعات النهار هو فرصة للمدخنين الراغبين في الإقلاع لاتخاذ قرار التوقف نهائياً عن التدخين ، ونلاحظ بالفعل أن نسبة نجاح الإقلاع عن التدخين في شهر رمضان اكبر من النسبة المعتادة في الأوقات الأخرى والتي لا تزيد عن 20% بمعنى أن كل 10 من المدخنين يبدؤون في الإقلاع ينجح 2 فقط منهم ويعود 8 إلى التدخين مرة أخرى .
وبالنسبة للإدمان - وهو إحدى المشكلات المستعصية التي تواجه الأطباء النفسيين - فإن تحقيق نتيجة ايجابية في علاج هذه الحالات يمكن أن تزيد فرصته مع صيام رمضان ، فالصيام تقوية للإرادة المتدنية لدى المدمنين ، وقبولهم تحدى الامتناع عن الطعام والشراب خلال نهار رمضان يسهم في تقوية إرادتهم ومقاومتهم لإلحاح تعاطي مواد الإدمان المختلفة ، كما أن شهر رمضان يذكر الجميع بضرورة التوقف عن ممارسة الأعمال التي تتنافي مع روح الدين ويمنح فرصة للتوبة والرجوع إلى الله ، وهي فرصة كبيرة للخروج من مأزق الإدمان لمن لديه الدافع إلى ذلك ..
الصيام والحالة النفسية :
القاعدة الطبية المعروفة التي تؤكد أن الوقاية أفضل وأجدى من العلاج تنطبق تماماً في حالة الأمراض النفسية ، فقد ثبت لنا من خلال الملاحظة والبحث في مجال الطب النفسي أن الأشخاص الذين يتمتعون بشخصية متزنة ولديهم وازع ديني قوى ، ويلتزمون بأداء العبادات وروح الدين في تعاملهم هم غالباً اقل إصابة بالاضطرابات النفسية ، وهم أكثر تحسناً واستجابة للعلاج عند الإصابة بأي مرض نفسي ، والغريب في ذلك أن بعض هذه الدراسات تم اجراؤها في الغرب حيث ذكرت نتائج هذه الأبحاث أن الإيمان القوى بالله والانتظام في العبادات لدى بعض المرضي النفسيين كان عاملاً مساعداً علي سرعة شفائهم واستجابتهم للعلاج بصورة أفضل من مرضي آخرين يعانون من حالات مشابهة ، والأغرب من ذلك أن دراسات أجريت لمقارنة نتائج العلاج في مرضى القلب والسرطان والأمراض المزمنة أفادت نتائجها بأن التحسن في المرضي الملتزمين بتعاليم الدين الذين يتمتعون بإيمان قوى بالله كان ملحوظاً بنسبة تفوق غيرهم ، وقد ذكرت هذه الأبحاث أن شعور الطمأنينة النفسية المصاحب للإيمان بالله له علاقة بقوة جهاز المناعة الداخلي الذي يقوم بدور حاسم في مقاومة الأمراض ...
كلمة أخيرة .. أتوجه بها إليك - عزيزي القارئ - فأمامنا جميعاً فرصة ذهبية لتحقيق مكاسب كثيرة في هذا الشهر الكريم .. فالصيام وذكر الله في نهار رمضان ، والتقرب إلى الله بالعبادات في هذا الشهر من الأمور الايجابية التي تنعكس علي الصحة النفسية للجميع .. والفرصة كبيرة أمام إخواننا ممن يعانون من الاضطرابات النفسية لتدعيم تحسن حالتهم ومساعدتهم في الخروج من المعاناة النفسية ..
كما أن الفرصة الذهبية هي من نصيب إخواننا الذين هم أسرى لعادة التدخين التي تهدد صحتهم ويمكن أن تودي بحياتهم ، وللذين وقعوا في مأزق الإدمان علي المواد المخدرة .. كل هؤلاء يمكنهم في هذا الموسم بالذات الاستفادة من هذه الفرصة في شهر رمضان الذي استقبلناه ونعيش أيامه ولياليه في جو روحاني رائع .. ونتمنى أن يكون هذا الشهر مناسبة مباركة يتم فيها شروق أمل في نهاية المصاعب والمتاعب التي يعانى منها المسلمون في أنحاء العالم .. وأن يشهد رمضان في الانتصار والخير والسلام للإسلام والمسلمين ..
ونتجه إلى الله بالدعاء ، ونرجو منه الإجابة .. أنه سميع مجيب .
الانتحار ليس حلاً ..
صدمت المشاعر العامة بمطالعة أخبار مؤسفة عن حالات انتحار متعددة على صفحات الحوادث بالصحف مؤخراً كان الفاصل بينها أيام معدودة .. ورغم صدمتي كإنسان مثل غيري بمثل هذه المآسي الإنسانية إلا أنني – كطبيب نفسي – أتناول هذه المسألة في سياق أكثر شمولاً .
والانتحار هو قتل النفس بطريقة متعمدة وهذا هو التعريف الذي تتضمنه مراجع الطب النفسي ، وهناك مصطلح آخر مقابل كلمة الانتحار Suicide هو الفعل المدروس لإيذاء النفس " Deliberate Self Harm , DSH " وقد يكون مجرد محاولة للانتحار لم تتم أو قتل للنفس ، وتشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية في أواخر التسعينيات إلى أن عدد حالات الانتحار في أنحاء العالم يبلغ 800 ألف حالة سنوياً .
ويعتبر الاكتئاب النفسي هو السبب الرئيسي في 80% من حالات الانتحار والذي يتتبع الأخبار ويطالع صفحات الحوادث في الصحف يجد أن أخبار حالات الانتحار تكاد تكون ثابتة بصفة يومية ، وهناك فرق بين الأزمات النفسية والاجتماعية التي تؤدي إلى التفكير في الانتحار كحل للهروب من هذه الأزمات وبين الاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى الانتحار وفي مقدمتها الاكتئاب .
ومن خلال متابعة الحالات في العيادات النفسية نجد أن التفكير في التخلص من الحياة كحل لوضع حد لمعاناة الاكتئاب من الأعراض الرئيسية المتكررة في معظم حالات الاكتئاب وهناك عوامل كثيرة تتدخل في هذا التفكير منها شدة حالة الاكتئاب وطبيعة المشكلات التي يعاني منها الشخص في حياته وارتباطه بأسرته ومعتقداته الدينية والفكرية ، وقد تسهم كل هذه العوامل في أن يسيطر المريض علي فكرة إيذاء النفس أو الانتحار أو على العكس من ذلك قد تدفعه إلى الإقدام على الانتحار حيث لا يجد أي دعم أو مساندة من المحيطين به أو يفقد الأمل تماماً في الخروج من الحالة التي يعاني منها ، وهناك مؤشرات تدل على أن احتمال إقدام المريض علي الانتحار قائم ويمكن للأطباء الاستدلال علي ذلك من خلال توجيه بعض الأسئلة إلى المريض بالتأكد من مدى عمق فكرة الانتحار في رأسه وإمكانية إقدامه علي تنفيذها وهنا نقدم قائمة من الأسئلة التي يمكن من خلالها استكشاف الميول الانتحارية لدى مرضى الاكتئاب ، وجدير بالذكر أننا في العيادة النفسية يجب أن نناقش مع المريض ما يدور برأسه من أفكار انتحارية على عكس وجهة النظر التي تقول أنه يجب تجنب الحديث عن الانتحار حتي لا نعطي المريض الفكرة حول موضوع الانتحار ، ومن الأفضل أن يقوم الطبيب النفسي في الحديث طرحه مع مريض الاكتئاب ومناقشته في هذه الأفكار دون تجنب المواجهة لأن ذلك يكشف ما يدور بعقل المريض حتي يمكن تفادى تزايد هذه الأفكار وإقدامه علي الانتحار فيما بعد .
وهذه المجموعة من الأسئلة يمكن أن تكشف عن تفكير مريض الاكتئاب في إيذاء نفسه أو الانتحار :
* هل فكرت قبل ذلك أو تفكر الآن في التخلص من هذه المعاناة بإيذاء نفسك ؟
* هل تدور بعقلك بعض الأفكار حول التخلص من الحياة ؟
* هل تفكر في وسيلة لإيذاء نفسك والهروب من مشكلتك بالانتحار ؟
* هل قمت قبل ذلك بأية محاولة لإيذاء نفسك ؟ وكيف تم ذلك ؟
* هل قمت بكتابة بعض الأوراق أو الرسائل حول فكرة أن تتخلص من حياتك ؟
* هل هناك ما يمنعك في التفكير في الانتحار ؟
* هل تعيش بمفردك الآن وتبتعد عن أسرتك وأقاربك ؟
* هل تعاني من بعض الصعوبات النفسية التي لا يمكنك احتمالها ؟
ومن خلال إجابة مريض الاكتئاب عن هذه الأسئلة يمكن الاستدلال علي مدى تفكيره في إيذاء نفسه للانتحار .. وهناك بعض العلامات التي يستدل بها الأطباء النفسيين على أن بعض مرضى الاكتئاب لديهم دافع قوى علي الإقدام علي الانتحار ومن هذه العلامات إحساس المريض بالضيق الشديد وبأن صبره قد نفذ ولم يعد لديه القدرة على الاحتمال ، وهو في هذه الحالة يبدو مستسلما ولا يرحب بمناقشة مشكلاته او البحث عن حلول لها لأن الحل بالتخلص من الحياة يبدو أمامه وكأنه الخيار الوحيد والأمثل في حين يغلق الباب أمام أية حلول أخرى وقد يتساءل المريض عن أهمية الحياة وقيمتها ويذكر انه لا سند له في هذه الدنيا وان الحياة مظلمة ولا أمل في المستقبل ، ويفسر علماء النفس الانتحار بأنه نوع من العدوان الداخلي الذي يرتد إلى النفس بدلا من الخروج إلي المحيطين للشخص .
ورغم أن بعض الأشخاص يقدمون على الانتحار دون أن يعرف عنهم الإصابة بالاكتئاب قبل ذلك إلا أن فحص ومراجعة حالات الانتحار تؤكد أن نسبة كبيرة منهم كانوا يعانوا من حالات اكتئاب نفسي شديد في الوقت الذي أقدموا فيه على ارتكاب فعل الانتحار ، وعلى العكس من الفكرة السائدة حول ارتباط الانتحار بحالات الاكتئاب الشديدة فإن بعض حالات الاكتئاب النفسي الحادة التي تكون مصحوبة بالبطء الحركي الشديد وهبوط الإرادة قد تسبب عجز المريض عن الإقدام على تنفيذ الانتحار رغم أن الفكرة تدور برأسه ، وقد لاحظ الأطباء النفسيون أن الإقدام على الانتحار يحدث في هؤلاء المرضى بعد أن يتلقوا العلاج حيث يبدأ المريض في التحسن الحركي قبل أن تزول أعراض الاكتئاب في بداية الشفاء وهنا يمكن تنفيذ عملية الانتحار .
وفي الحالات المبكرة من الاكتئاب قد يقوم المريض بإيذاء نفسه حين يلاحظ أن هناك تغييراً هائلا قد أصابه ولم يعد يستطيع التحكم في حالته النفسية ، ويقوم مرضى الاكتئاب بتنفيذ محاولات الانتحار عادة في ساعات الصباح الأولى وهو الوقت الذي تكون فيه مشاعر الاكتئاب في قمتها ، وقد لاحظت دوائر الشرطة في بعض الدول الأوربية أن حالات الانتحار تقع دائما في عطلة نهاية الأسبوع وفي أيام الأعياد وتفسير ذلك هو أن إحساس الاكتئاب يزداد عمقا لدى الكثير من الأشخاص في مثل هذه المناسبات التي يفترض أن تكون فرصة للبهجة والاستمتاع بالحياة ، ولوحظ أيضا زيادة نسبة الانتحار في المدن مقارنة بالمناطق الريفية والسبب هو انعدام الروابط الإنسانية في المدن المزدحمة مما يزيد من شعور الفرد بالعزلة رغم أنه وسط زحام من الناس . وهذه بعض الحقائق والأرقام عن الانتحار في العالم :
* عدد حالات الانتحار في العالم يبلغ 800 ألف حالة سنوياً حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية التي تشير إلى احتمال زيادة هذا العدد إلى مليون شخص كل عام ، وفي الولايات المتحدة وصل عدد حالات الانتحار إلى أكثر من 230 ألف شخص بمعدل شخص ينتحر كل 20 دقيقة أو 75 حالة انتحار يومياً . وهؤلاء هم الذين ينجحون في إتمام الانتحار بينما يصل معدل محاولات الانتحار إلى 10 أضعاف هذا العدد .
* أعلى معدلات الانتحار توجد في الدول الاسكندنافية ( السويد - النرويج - الدنمارك ) ، وتصل إلى 40 لكل 100 ألف من السكان ، وفي بعض دول أوروبا الشرقية مثل المجر تصل هذه المعدلات إلى 38-40 لكل 100 ألف ، في فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا تزيد هذه المعدلات على 20 لكل 100 ألف .
* في مصر وفي دول العالم العربي والدول الإسلامية تنخفض معدلات الانتحار لتسجل معدل لا يزيد عن 2-4 لكل 100 ألف من السكان ، ويعود ذلك إلى تعاليم الدين الإسلامى الواضحة بخصوص تحريم الانتحار وقتل النفس .
* تزيد معدلات الانتحار في الرجال مقارنة بالسيدات بمعدل 3 أضعاف بينما تزيد معدلات محاولات الانتحار التي لا تنتهي بالقتل الفعلي في المرأة مقارنة بالرجال .
* أكثر أساليب الانتحار انتشاراً في الرجال هي استخدام الأسلحة النارية والشنق والقفز من أماكن مرتفعة ، أما في المرأة أكثر الأساليب استخداماً هو تناول جرعات زائدة من الأدوية المنومة او المهدئة او السموم (مثل سم الفئران ) .
* تزيد معدلات الانتحار مع تقدم السن ، تزيد معدلات الانتحار بعد سن 45 سنة في السيدات وبعد سن 55 سنة في الرجال ، كما تزيد فرص نجاح إتمام الانتحار كلما تقدم السن ، وتصل معدلات الانتحار في كبار السن إلى 25% من مجموع حالات الانتحار رغم أنهم يمثلون نسبة 10% فقط من مجموع السكان .
* تزيد معدلات الانتحار في غير المتزوجين وخصوصاً الأرامل والمطلقين حيث أن الزواج وإنجاب الأطفال يعتبر من العوامل التي تحد من الإقدام علي الانتحار .
* تزيد معدلات الانتحار في الأشخاص الذين قاموا قبل ذلك بمحاولات لإيذاء النفس سواء كانت بطريقة جادة أو لمجرد لفت الانتباه وفي الأشخاص الذين يعانون من العزلة الاجتماعية ، أو الذين أقدم أحد أفراد الأسرة من أقاربهم على الانتحار .
* هناك بعض المهن ترتبط بمعدلات عالية من الانتحار ، وتزيد معدلات الانتحار في العاطلين عن العمل وفي الأشخاص الذين ينتمون إلى الطبقات الراقية ، وتزيد معدلات الانتحار في الأطباء بمعدل 3 مرات أكثر من الفئات الأخرى ، ومن بين التخصصات يأتي في المقدمة بالنسبة لزيادة احتمالات الانتحار الأطباء النفسيين وأطباء العيون ثم أطباء التخدير ، ومن المهن الأخرى التي يقدم أصحابها علي الانتحار بمعدلات عالية الموسيقيون وأطباء الأسنان والمحامين .
* ترتبط معدلات الانتحار ببعض فصول السنة حيث سجلت زيادة في حالات الانتحار في فصل الربيع والشتاء في بعض المناطق ، وترتبط حالات الانتحار بالإصابة ببعض الحالات النفسية مثل الاكتئاب والإدمان ، كما تقل معدلات الانتحار في فترات الحروب وفترات الانتعاش الاقتصادي بينما تزيد في الفترات التي يحدث فيها كساد اقتصادي عام وزيادة في معدلات البطالة .
وهناك بعض حوادث الانتحار تبدو غير مفهومة ويحيط بها الغموض ومن أمثلتها بعض الحوادث التي تطالعنا بها الصحف بين الحين والآخر ومنها علي سبيل المثال أب يقتل زوجته وأطفاله الصغار ثم ينتحر أو أم تلقي بأطفالها الثلاثة في النيل ثم تحاول الانتحار بعد ذلك أو انتحار جماعي لمجموعة من الحيتان والدلافين على شاطئ البحر .
وتفسير هذه الحوادث من وجهة النظر النفسية أنها من أنواع الانتحار الذي يطلق عليه أحياناً الانتحار الممتد Extended Suicide ويعني أن يقوم بالتخلص من حياته وفي نفس الوقت يقرر قتل جميع الأشخاص الذين يرتبط بهم بعلاقة إنسانية قوية والدافع إلى ذلك هو أنه يريد أن يتخلص من معاناته للاكتئاب وفي نفس الوقت يريد أن يخلص الأشخاص الذين يعتبرهم امتداداً له من معاناة الحزن بعد رحيله ، أما دافع الانتحار الجماعي للحيوانات فمن الصعب تفسيره وربما يكو السبب هو حالة اكتئاب عامة تصيب هذه الحيوانات مما يدفعها إلى الإصرار على التخلص من حياتها على هذا النحو .
ونظراً لأن مشكلة الانتحار تمثل أحد الأولويات في المجتمعات الغربية فقد تم تأسيس جمعيات كثيرة في كل المدن تعرف بجمعيات الإنقاذ أو جمعيات مساعدة الراغبين في الانتحار ويمكن لأي شخص يفكر في الانتحار أن يتصل تليفونياً بإحدى هذه الجمعيات التي تعمل علي مدار الساعة ويبلغهم بأنه يفكر أو ينوى الإقدام على الانتحار فيتجه إليه المتطوعون من أعضاء هذه الجمعيات ليقدموا له المساعدة وفي معظم الأحيان تنجح الجهود في التفاهم مع الشخص الذي يفكر في الانتحار ويمكن الحوار معه فيتراجع عن عزمه في الإقدام على الانتحار ، ورغم زيادة خدمات الصحة النفسية في الدول الغربية إلا أن معدلات الانتحار تظل عالية بالمقارنة إلى الدول العربية والإسلامية .
وهنا نذكر بعض الحقائق الهامة من وجهة نظر الأطباء النفسيين حول موضوع الانتحار في مقدمة هذه الحقائق نشير إلى أهمية مناقشة كل مرضى الاكتئاب بصفة عامة عن موضوع الانتحار بطريقة مباشرة دون تردد وتوجيه الأسئلة لهم حول التفكير في الانتحار ورغبتهم في التخلص من الحياة حيث يمكن في 8 من كل 10 منهم الاستدلال علي نية المريض بالنسبة للإقدام على الانتحار ويجيب 50% من المرضى على ذلك بإبداء رغبتهم صراحة في الموت ، وقد يفضي بعضهم إلي الطبيب بأن لديه خطة جاهزة للتخلص من حياته.
ونؤكد هنا على أن أي تهديد من جانب المريض بأنه يفكر في الانتحار يجب أن يؤخذ بجدية من جانب أسرته وأقاربه والأطباء المعالجين، وهنا نضع بعض العلامات التي يمكن من خلالها الاستدلال على احتمالات الانتحار حتى تؤخذ في الاعتبار من جانب كل المحيطين بالمرضي النفسيين بصفة عامة ومرضى الاكتئاب خصوصاً ، وهذه العلامات هي ظهور القلق والإجهاد على المريض وترديد عبارات حول التخلص من الحياة ومعاناة أزمة مادية أو عاطفية أو عائلية ، أو الأشخاص الذين تبدو عليهم مظاهر التشاؤم الشديد وفقدان الأمل في كل شيء ، ومن خلال الخبرة في مجال الطب النفسي فإن اهتمامنا يتزايد ببعض الحالات التي نعلم باتجاهها إلى التفكير في إيذاء النفس أو التخلص من الحياة مثل الرجال بعد سن الأربعين ، ومدمني الكحول ، والذين يعانون من أمراض مزمنة أو مستعصية ، أو الذين فقدوا شخصاً عزيزاً لديهم ، أو الذين يواجهون صعوبات في أعمالهم ، والعاطلون ، والذين صدموا بخسارة مادية هائلة ، وهنا نؤكد أن الغالبية العظمى من حالات الانتحار يمكن الوقاية منها ومساعدة هؤلاء الأشخاص باكتشاف نواياهم مبكرا وتقديم العون لهم قبل أن يتخذوا قرارهم النهائي بالإقدام على التخلص من الحياة .
وأخيراً فان الرسالة التي أريدها أن تصل إلى الجميع هي أن الانتحار أو قتل النفس ليس حلاً لأية أزمة أو مشكلة .. وهناك دائما الكثير من البدائل التي يمكن التفكير فيها حين تتأزم الأمور وتشتد المحن ، ويمكن أن تتلمس النور وسط السواد الحالك المحيط بنا ،ويتحقق الخروج من النفق المظلم وانتصار إرادة الحياة ،والحل هنا من وجهة النظر النفسية يتفق تماماً مع المنظور الإسلامي للتعامل مع البلاء والشدائد بالعودة إلى الله سبحانه وتعالى والتمسك بإيمان قوي والتحلي بالصبر والثبات ،حتى يقضى الله أمره ، وهو القادر على كل شيء .
الأربعاء، أبريل 18، 2007
((بقية الخواطر النفسيه))
حررت بواسطة
أحمد عاطف
فى
الأربعاء, أبريل 18, 2007
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق